فضاء حر

المشكلة والحل في صراع السياسة والمحاصصة والطائفية

يمنات

التوصيف الصحيح للمشكلة هو نصف الحل.
تصنف احزاب المشترك والمؤتمر والحوثي المشكلة الحالية علی انها “غياب الرئيس والحكومة”.. وبناء علی هذا التوصيف يتحاورون حول الخيارات الثلاثة وفي ذهنهم شيء واحد فقط: الرئيس القادم او “الرؤساء القادمون” والحكومة القادمة.
لكن هذا التوصيف الزائف للمشكلة ليس الا هروبا مؤقتا علی الطريقة التقليدية للسياسيين اليمنيين المعتقين: الخروج من المشكلة لمشكلة أخری تقود الی مشكلة جديدة …الی ما لا نهاية..
المشكلة ليست استقالة الرئيس والحكومة. انها اختطاف مؤسسة الرئاسة واختطاف المؤسسات الحكومية من قبل ميليشيا قادمة بعقلية الكهف وقيم العصور الوسطی..
ليست المشكلة “شخص” الرئيس الجديد .. لأنه (بغض النظر عن من سيكون) سيجد نفسه في قصر رئاسي محتل من ميليشيا الحوثيين التي تراقب اتصالاته وزياراته وتملك اختامه وتقدم له القرارات جاهزة للتوقيع عليها او السقوط!
و ليست المشكلة في التشكيلة الحكومية القادمة، بل في ان اي وزير قادم سيجد نفسه (مثل اي وزير سابق) لا يستطيع دخول مكتبة او توقيع اي ورقة الا بعد موافقة اطفال ومراهقي الميليشيا الذين يحتلون مكتبه ويحملون اختامه ويراقبون كل تحركاته.
هذا هو النصف الأول من المشكلة..
من الناحية الأخرى هناك نخبة سياسية صارت “ترتزق” من تمديد “الفترة الانتقالية” ومن استمرار “المحاصصة” هي نخبة المشترك والمؤتمر بالاضافة الی النخبة الحوثية المتلهفة علی نصيبها من الثروة ودورها في استمرار “نهب المنهوب”..
لهذا تتحول الفترة الانتقالية عندها من “مشكلة” الی “حل”.. وهو حل مراوغ يقوم علی “تأبيد المشاكل” وحل المشكلة القائمة بالهروب الی مشكلة جديدة..
عندما خرج الشباب الی الشارع في الايام الماضية للمطالبة ب”رحيل الميليشيا” فانهم وضعوا ايديهم علی النصف الاول من عنق المشكلة التي اوصلتنا الی الوضع الحالي: الميليشيا التي تختطف الدولة وتفرض وصايتها عليها .. بل ان الميليشيا صارت تفرض وصايتها ورقابتها علی المجتمع والحياة اليومية للناس!
واي تحرك سياسي لا يبدأ وينطلق من انهاء عدوان الميليشيا علی الدولة والمجتمع لن يصل الا الی طريق مسدود بفوهات بنادق ميليشيا الخطف والنهب والقتل..
لكن “رحيل الميليشيا” لا يشكل الا نصف الحل .. اذ ان سيطرة الحوثيين علی مفاصل الدولة ليس “جوهر المشكلة” وانما هو فقط العرض الذي يشير الی المرض القاتل الذي اصاب الدولة ويدمر المجتمع: داء “المحاصصة الطائفية”..
..
المبادرة الخليجية حولت القوی السياسية الی “طوائف سياسية”، ورسخت طائفيتها بإقرار المحاصصة كبديل للسياسة .. ولكي تستمر المحاصصة يحب ان تعطل السياسة؛ ولكي يستمر تعطيل السياسة يجب ان تستمر “الفترة الانتقالية” الی الابد وان يتحول التقاسم من ظرف مؤقت الی واقع مؤبد..
لم يكن هدف المبادرة الخليجية “اسقاط النظام” وانما تحويل المعارضة الی “نظام”، وتحويل قادة المعارضة الی “مندوبي النظام” داخل أحزابهم .. هؤلاء القادة هم الطرف الاخر للمشكلة الی جانب الميليشيا. و أي تحرك سياسي لا يطالب برحيلهم الی جانب رحيل الميليشيا لن يحقق شيئا علی ارض الواقع..
لقد تحولت النخبة السياسية اليمنية الی نخبة “ضد السياسة”.. وفي غياب السياسة المباشرة يتم ممارسة “السياسات الخفية” عبر الحرب واسقاط المعسكرات وتجييش القبائل واختطاف المؤسسات .. وتصبح السياسات الخفية هذه هي وسيلة القوی السياسية لتعظيم حصتها من السلطة والثروة..
هذا هو جوهر المشكلة .. جوهر المرض العميق الذي اصاب الدولة وينتقل الان الی تفتيت المجتمع:
لدينا نخب سياسية تسعی لتابيد المحاصصة وإلغاء السياسة واضفاء الصبغة الطائفية علی السياسة والمجتمع. وهناك ميليشيا طائفية اختطفت الدولة وتسعی لفرض وصايتها علی المجتمع وسط تواطؤ النخب السياسية .. و تسعی هذه “النخبة الموحدة” الی تزييف الامر الواقع عبر تصوير المشكلة انها “فراغ رئاسي” او “فراغ دستوري” بينما المشكلة هي غياب السياسة وحضور المحاصصة وصعود الطائفة..
ان اي تحرك ثوري او مدني لا يصل الی عمق المشكلة سيصب بلا شك في مصلحة “النقيض الطائفي” .. وهذا ما يحصل حاليا اذ يتم تجيير تحركات ومظاهرات الشباب في الشارع لمصلحة الموقف التفاوص ل”مندوبي النظام” في احزاب المعارضة..
والتحرك المدني الفاعل لن يكون فاعلا الا اذا سعی الی عودة السياسة والغاء المحاصصة ومواجهة الطائفية بالمشروع الوطني الشامل .. وهذا هو جوهر الحل.
من حائط الكاتب على الفيس بوك

زر الذهاب إلى الأعلى